
أصدرت هيئة محلفين في مدينة نيويورك حكمًا يوم الجمعة يفيد بأن الأنشطة التجارية التي مارستها مجموعة “بي إن بي باريبا” المصرفية الفرنسية في السودان ساهمت بشكل مباشر في ارتكاب انتهاكات جسيمة خلال فترة حكم الرئيس السوداني السابق عمر البشير. القرار جاء بعد محاكمة امتدت لأسابيع، بدأت في التاسع من سبتمبر، واستندت إلى شهادات ثلاثة سودانيين أصبحوا لاحقًا مواطنين أمريكيين، سردوا أمام المحكمة الفيدرالية في مانهاتن تفاصيل ما تعرضوا له من تعذيب وانتهاكات على يد جنود سودانيين وميليشيات الجنجويد.
شهادات مؤلمة
خلال جلسات المحاكمة، قدم المدّعون الثلاثة، وهم رجلان وامرأة، روايات مروعة عن تعرضهم للتعذيب الجسدي والنفسي، بما في ذلك الحرق بأعقاب السجائر، الطعن بالسكاكين، والاعتداء الجنسي الذي طال المرأة. إحدى المدّعيات، انتصار عثمان كاشر، البالغة من العمر 41 عامًا، قالت أمام المحكمة وفق ما نقلته وكالة فرانس برس: “لم يعد لدي أقارب”، في إشارة إلى حجم الفقد الذي تعرضت له نتيجة تلك الانتهاكات. هذه الشهادات شكلت محورًا أساسيًا في بناء القضية ضد المصرف الفرنسي، الذي اتُهم بتسهيل تمويل نظام البشير عبر خدماته المصرفية.
اتهامات قانونية
في المرافعات الختامية التي جرت يوم الخميس، أكد محامي المدّعين بوبي ديتشيلو أن المحاكمة كشفت ما وصفه بـ”السر”، وهو أن مصرفًا دوليًا بحجم “بي إن بي باريبا” قام بدعم غير قانوني لاقتصاد ديكتاتور، على حد تعبيره. وأضاف أن المصرف الفرنسي ساهم في تغذية نظام البشير، الذي ارتكب عمليات تطهير عرقي، وأدى إلى تدمير حياة المدّعين الثلاثة. هذه الاتهامات جاءت في سياق تحميل المؤسسات المالية الدولية مسؤولية غير مباشرة عن الجرائم التي ارتكبتها الأنظمة التي تعاملت معها.
دور مالي
بحسب ما ورد في ملف القضية، فإن “بي إن بي باريبا” قدم رسائل ائتمان للحكومة السودانية خلال الفترة الممتدة من أواخر التسعينيات وحتى عام 2009، ما مكّن النظام من الوفاء بالتزاماته التجارية في مجالات الاستيراد والتصدير. ووفقًا للمدّعين، فإن هذه الضمانات المالية ساعدت السودان على تصدير منتجات أساسية مثل القطن والزيت، ما أتاح له الحصول على مليارات الدولارات من المشترين الدوليين. ويؤكد المدّعون أن هذه العائدات ساهمت في تمويل عمليات العنف والانتهاكات التي ارتكبتها السلطات السودانية بحق مجموعات سكانية محددة.
دفاع المصرف
من جهته، نفى “بي إن بي باريبا” وجود أي علاقة بين أنشطته المصرفية في السودان والانتهاكات التي تعرض لها المدّعون، بحسب ما أفاد محامي الدفاع داني جيمس. وأكد فريق الدفاع أن العمليات التي نفذها المصرف كانت قانونية وفق المعايير الأوروبية، مشيرين إلى أن مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي كانت تقيم شراكات مع الحكومة السودانية خلال تلك الفترة. كما شدد المحامون على أن المصرف لم يكن على علم بأي انتهاكات لحقوق الإنسان، وأنه لم يكن طرفًا مباشرًا في الأحداث التي وقعت.
موقف قانوني
في معرض دفاعه، قال المحامي باري بيركي إن المدّعين كانوا سيتعرضون لنفس الإصابات والانتهاكات حتى لو لم يكن “بي إن بي باريبا” موجودًا في السودان، مضيفًا أن النظام السوداني ارتكب جرائم ضد حقوق الإنسان بغض النظر عن وجود النفط أو دعم مصرفي خارجي. هذا الطرح يعكس محاولة الدفاع فصل المسؤولية القانونية للمصرف عن الجرائم التي ارتكبها النظام، مستندًا إلى أن تلك الأفعال كانت ستحدث في جميع الأحوال.
خلفية النزاع
تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن الحرب في السودان بين عامي 2002 و2008 أودت بحياة نحو 300 ألف شخص، وأدت إلى نزوح ما يقرب من 2.5 مليون آخرين. هذه الأرقام تعكس حجم الكارثة الإنسانية التي شهدتها البلاد خلال تلك الفترة، والتي ارتبطت بشكل مباشر بسياسات نظام عمر البشير. وقد أُطيح بالبشير في أبريل 2019 بعد موجة احتجاجات شعبية، وتم اعتقاله لاحقًا، وهو مطلوب حاليًا لدى المحكمة الجنائية الدولية بتهم تتعلق بالإبادة الجماعية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
Source link



