
في ظل التدهور المستمر في قيمة العملة السودانية وارتفاع معدلات التضخم، يُطرح مقترح حذف ثلاثة أصفار من الجنيه السوداني كأحد الحلول الفنية لإعادة هيكلة النظام النقدي. هذا النوع من الإجراءات يُستخدم عادة في الدول التي تواجه أزمات مالية حادة، ويهدف إلى تبسيط التعاملات وتقليل الأرقام الضخمة في الفواتير والمعاملات اليومية. ورغم أن هذا التعديل لا يُعد علاجًا جذريًا للأزمة الاقتصادية، إلا أنه يُمكن أن يُسهم في تحسين كفاءة النظام النقدي إذا ما تم تنفيذه ضمن إطار إصلاحي شامل ومدروس.
تبسيط التعاملات
من أبرز الآثار المباشرة لحذف الأصفار هو تقليص الأرقام الكبيرة التي باتت تُثقل كاهل المعاملات اليومية، خاصة في ظل وصول سعر صرف الدولار إلى نحو 3700 جنيه سوداني. هذا الواقع جعل الفئات النقدية الحالية غير عملية في التداول، ما يُعزز الحاجة إلى إعادة هيكلة شكلية للنظام النقدي. تبسيط الأرقام يُسهل العمليات المحاسبية ويُقلل من الأخطاء في التوثيق، كما يُعيد بعض الانضباط إلى السوق ويُسهم في تحسين تجربة المواطنين والمؤسسات في التعاملات المالية اليومية.
أثر نفسي
رغم أن حذف الأصفار لا يُعالج الأسباب الهيكلية للتضخم مثل العجز المالي أو ضعف الإنتاج، إلا أن له أثرًا نفسيًا مهمًا في تقليص الشعور العام بانهيار العملة. هذا الإجراء يُعيد بعض الثقة في الجنيه السوداني، ويُعزز من صورة الدولة كمُتحكمة في أدواتها النقدية، خاصة إذا ما تم ضمن إصلاحات أوسع تشمل السياسة المالية والنقدية. التأثير الرمزي لهذا النوع من الإجراءات يُعد جزءًا من استراتيجية إعادة بناء الثقة في النظام الاقتصادي، وهو ما يُعتبر عنصرًا حاسمًا في استقرار الأسواق.
ضبط السيولة
أحد التحديات الكبرى التي تواجه السلطات النقدية في السودان هو أن أكثر من 90% من الكتلة النقدية تُتداول خارج النظام المصرفي، ما يُصعّب من مهمة ضبط السيولة وتنفيذ السياسات المالية الفعالة. إعادة هيكلة العملة عبر حذف الأصفار قد تُسهم في إدخال هذه الكتلة إلى الدورة المصرفية، خاصة إذا اقترنت بإجراءات استبدال شامل للعملة. هذا التحول يُمكن أن يُعيد التوازن إلى النظام النقدي ويُعزز من قدرة البنك المركزي على إدارة السيولة ومراقبة حركة النقد بشكل أكثر دقة.
تجارب مقارنة
الخبير الاقتصادي عبد الله الحسن أشار إلى أن دولًا عديدة لجأت إلى حذف الأصفار خلال فترات أزمات مشابهة، ونجحت في إعادة تنظيم أنظمتها النقدية وتحسين كفاءة التعامل المالي. ومع ذلك، شدد الحسن على ضرورة أن يتم هذا الإجراء بناءً على دراسات فنية دقيقة، لتفادي ارتباك السوق أو فقدان الثقة في العملة. التجارب الدولية تُظهر أن نجاح هذه الخطوة يعتمد على مدى تكاملها مع إصلاحات اقتصادية أوسع، تشمل ضبط الميزانية، وتحفيز الإنتاج، وتعزيز الثقة في المؤسسات المالية.
تحذيرات فنية
في المقابل، حذّر الخبير الاقتصادي محمد الجبالي من أن حذف الأصفار لا يُزيل الأزمات الاقتصادية، بل يُعد إجراءً شكليًا ما لم يُرافقه إصلاحات هيكلية في الميزانية والإنتاج والثقة العامة بالنظام المالي. كما أشار إلى أن تكلفة طباعة العملة الجديدة قد تتجاوز 500 مليون دولار، ما يجعل القرار مكلفًا إذا لم يُخطط له بعناية. الجبالي شدد على أن أي خطوة في هذا الاتجاه يجب أن تُنفذ ضمن رؤية اقتصادية متكاملة، تضمن عدم إرباك السوق أو تحميل الدولة أعباء مالية إضافية.
تقييم نهائي
حذف الأصفار من الجنيه السوداني يُعد خيارًا فنيًا يحمل جدوى اقتصادية مشروطة والا سيكون تغيير شكلي لا قيمة له بل يحمل عواقب اشد خطورة ، إذ يمكن أن يُسهم في تبسيط النظام النقدي وتحسين كفاءة التعاملات، لكنه لا يُغني عن إصلاحات هيكلية أوسع تشمل السياسة المالية، وضبط التضخم، وتعزيز الثقة في المؤسسات النقدية. نجاح هذا الإجراء يتوقف على التوقيت، والدراسة الفنية، والتكامل مع سياسات نقدية مدروسة، لضمان تحقيق الأثر المطلوب دون إرباك إضافي للسوق أو فقدان للثقة في العملة الوطنية.
Source link



