أخبار العالم

رحلات غامضة من غزة ـ هجرة طوعية أم خطة إسرائيلية؟ – DW – 2025/11/21

لم تكن هذه أول رحلة من هذا النوع التي تُغادر إسرائيل، بيد أنها كانت الأولى التي تحظى بكل هذا الاهتمام.

 ففي نهاية الأسبوع الماضي، وصل 153 فلسطينيا من غزة إلى جنوب أفريقيا على متن طائرة مُستأجرة من مطار رامون الإسرائيلي، لكنهم وصلوا دون الوثائق الصحيحة.

ونظرا لإحكام إسرائيل قبضتها على حدودها- و حدود الأراضي الفلسطينية التي كان على الركاب عبورها من أجل الوصول إلى المطار الإسرائيلي، فإن السلطات في جنوب أفريقيا لم تتمكن من معرفة كيفية مغادرة الطائرة أصلا.

وفي وقت لاحق، بدا أن السبب هو منظمة تُدعى “المجد أوروبا”، حيث رتبت سفر الفلسطينيين. وتقول المُنظمة على موقعها الإلكتروني إنها تُنظم “إجلاء إنسانيا”. بيد أن ناشطين أثاروا مخاوف من الرحلات التي تُنظمها منظمة “المجد أوروبا” منذ الصيف.

مُنظمة غامضة

تزعم منظمة “المجد” أنها رأت النور في ألمانيا عام 2010 وأن مقرها الآن في القدس. ومع ذلك، لا تُوجد أي شركة أو مؤسسة خيرية بهذا الاسم في السجلات الألمانية، ويقول باحثون إسرائيليون إن الأمر نفسه ينطبق على إسرائيل.

يستخدم موقع “المجد” صورا  لأشخاص من أزمات أخرى ويدّعي أنها تعود إليه. كما أن عنوان بروتوكل الإنترنت “IP” الخاص بالموقع، وبالتالي موقعه الخاص مخفي باستخدام برامج الخصوصية.

ولا يعمل “زر” التبرع على الموقع الخاص بالمنظمة. كما تُظهر  أبحاث مؤسسة “دويتشه فيله” (DW) أن هذه المنظمة لم تتلق سوى 106 دولارات (نحو 91 يورو) من العُملات المُشفرة عبر حساب البتكوين المدرج- بالرغم من أن منظمة “المجد” تقول إنها تعمل عبر التبرعات لمساعدة الأشخاص المُحتاجين.

وقال الركاب الفلسطينيون الذين سافروا مع “المجد” إلى جنوب أفريقيا للصحفيين، إنهم دفعوا ما بين 1500 و2000 دولار، لكن الأموال أرسلت إلى حسابات شخصية.

وهذا الأسبوع، كشفت تحقيقات أجرتها صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عن المزيد من  الأمور الغريبة. بما في ذلك أن منظمة “المجد” مُرتبطة بتومر جانار ليند، وهو شخص يحمل الجنسية الإسرائيلية والإستونية ويقيم في لندن.

أما بخصوص شركات الطيران المُستأجرة “فلاي يو” ومقرها رومانيا، وشركة “كيبريس تركيش إيرلاين” ومقرها قبرص- التي نقلت الفلسطينيين إلى جنوب أفريقيا، فإنها مملوكة لإسرائليين.

عملية حكومية إسرائيلية؟

ونظرا لكل هذه الأسباب مُجتمعة، أثار ناشطون وسياسيون جنوب أفريقيون ووسائل إعلام مخاوف من أن تكون مُنظمة “المجد” جزءا من خطة لنقل الفلسطينيين خارج غزة.

وتقول تانيا هاري، المديرة التنفيذية لمنظمة “غيشا”، وهي منظمة إسرائيلية غير ربحية تُدافع عن حرية تنقل الفلسطينيين: “التقارير التي تتحدث عن نقل أشخاص جوا  إلى وجهات غير معروفة أحيانا بواسطة شركة المجد مُقلقة للغاية”.

وأضافت: “يبدو أن هذه الجهة الخاصة المشبوهة تستغل يأس الناس وتبدأ بهدوء في تنفيذ رؤية إسرائيل لنقل الفلسطينيين”. وفي شهر فبراير/شباط الماضي، تحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطته “ريفييرا غزة”، التي تتطلب نقل السكان المحليين خارج القطاع إلى دول ثالثة.

وفي نفس الشهر، بدأت منظمة “المجد” في الترويج لخدماتها للفلسطينيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

أما في شهر مارس/ آذار، فقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها ستنشئ “مديرة للهجرة الطوعية” داخل وزارة الدفاع.

 ومن جهة أخرى، أطلقت منظمات حقوقية في إسرائيل تحذيرات في ذلك الوقت، قائلة إنها ما تزال لا تملك الكثير من المعلومات عن المديرية حتى الآن.

وقالت تانيا هاري المديرة التنفيذية لمنظمة “غيشا” إن سياسة “الهجرة الطوعية” من غزة تحظى بدعم سياسيين إسرائيليين كبار. وتابعت المتحدثة ذاتها أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية سبق أن أرسلت رسائل نصية إلى سكان غزة “تدعوهم لاستكشاف خيارات المغادرة”.

وسألت مؤسسة “دويتشه فيله” (DW) وزارة الدفاع الإسرائيلية عن أي صلة بينها وبين منظمة “المجد أوروبا”. إلا أنها لم تتلق أي رد حتى موعد نشر التقرير مساء الثلاثاء (الثامن عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2025).

أرشيف: قطاع غزة ـ معبر إيريز الحدودي 2007
لم يكن معظم سكان غزة قادرين على المغادرة، وحتى قبل أكتوبر 2023 كان الحصول على تصريح خروج من إسرائيل صعبًا للغاية.صورة من: Mahmud Hams/AFP/Getty Images

ممثل “المجد”: “نساعد الناس على العيش”

وتمكنت مؤسسة “دويتشه فيله” (DW) من التواصل مع رجل يُدعى عمر، ورقمه مُدرج على موقع “المجد”. وقال الرجل إنه فلسطيني يعيش في القدس، بيد أنه رفض إعطاء المزيد من التفاصيل، بما في ذلك اسمه العائلي لأسباب أمنية، حسب قوله.

وفي حواره مع “دويتشه فيله” (DW) قال عمر إن التكهنات حول علاقة منظمة “المجد” بالحكومة الإسرائيلية تُروج لها جهتان: حركة حماس، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية. والسلطة الفلسطينية، التي تُدير أراضي الضفة الغربية المحتلة.

وألمح عمر إلى أن هاتين الجهتين (حماس، والسلطة الفلسطينية) لا تُريدان للناس مُغادرة غزة.

وتابع المُتحدث ذاته، أنه من أجل إخراج الناس من غزة وإيصالهم إلى المطار في إسرائيل، كان على منظمة “المجد” التواصل مع مكتب منسق أعمال الحكومة في المناطق (كوغات)، وهي الجهة التي تُدير الشؤون الرسمية لإسرائيل في غزة، ويتبع لوزارة الدفاع الإسرائيلية.

وقال عمر  بإصرار: “أنا أساعد أهلي في غزة، وهذه ليست هجرة. أنا أساعد الناس الذين يريدون أن يعيشوا، لا أن يموتوا داخل غزة”.

غير أن عمر رفض الإجابة عن الأسئلة الأكثر صعوبة، مثل صلته بـتومر جانار ليند، أو كيفية تواصله مع شركات الطيران الدولية المملوكة لإسرائيليين، ولماذا لا تعمل الروابط على موقع “المجد”. كما لم يوضح الجوانب المالية للمنظمة، وقال إنه “لا يتذكر” عدد الفلسطينيين الذين غادروا غزة عبر “المجد”.

لذلك، يبقى من غير الواضح ما إذا كانت منظمة “المجد” مرتبطة بالحكومة الإسرائيلية، أو ما إذا كانت مبادرة من مواطنين تدعم سياسات الحكومة، أو مجرد مشروع لكسب المال.

قطاع غزة رفح | السكان ينتظرون الخروج إلى مصر (فبراسر/ شباط 2024)
في أوائل 2024، حققت شركات مصرية مرتبطة بالحكومة ملايين الدولارات من رسوم الفلسطينيين للخروج من غزة.صورة من: Khaled Omar/Xinhua/picture alliance

التعاون مع السلطات الإسرائيلية

إلا أن ما هو مؤكد، فهو أن قوات الأمن الإسرائيلية كان لا بد أن تتعاون مع رحلات الطيران المُستأجرة، التي غادرت البلاد. وتفرض إسرائيل قيودا على حرية حركة الفلسطينيين منذ عام 1967 عندما احتلت الأراضي الفلسطينية.

وتطورت هذه القيود تبعا لمستوى التوتر بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة. وقبل الصراع الحالي، كان يُسمح بالخروج من غزة للعمل، أو للعلاج الطبي، أو في “الحالات الإنسانية الاستثنائية” على غرار زفاف أو جنازة قريب.

أما اليوم، ومع الحصار الإسرائيلي على غزة منذ هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين من عام 2023. أصبحت مُغادرة القطاع الساحلي أكثر صعوبة. رغم أن تقارير إعلامية إسرائيلية تُشير إلى أن الأمر أصبح أسهل منذ الإعلان عن مديرية الهجرة الطوعية.

مطار رامون الجديد على البحر الأحمر.
تشير منشورات “المجد” إلى ست مجموعات غادرت غزة عبر إسرائيل، لكن المؤكد فقط ثلاث.صورة من: JINI/Xinhua/picture alliance

ولا تُوجد أرقام رسمية عن أعداد الفلسطينيين، الذي غادروا غزة.

ونظمت منظمة الصحة العالمية 2589 عملية إجلاء طبي هذا العام، برفقة 5000 مرافق. ويُعتقد أيضا أنه في أوائل عام 2024، تمكن أكثر من مئة ألف فلسطيني من الوصول إلى مصر. لكن منذ ذلك الحين، وكما ذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” في مايو/أيار من هذا العام، لم تكن هناك عمليات مغادرة كثيرة.

الهجرة موضوع حساس

وحتى الآن، تُعتبر قضية مغادرة الفلسطينيين لغزة قضية سياسية محفوفة بالمخاطر. وأوضح عمر شاكر، مدير مكتب إسرائيل والأراضي الفلسطينية في منظمة “هيومن رايتس ووتش” أنه :”بموجب القانون الدولي، يملك كل شخص الحق في العيش في بلده بأمان وكرامة، والحق في مغادرته من أجل أمنه أو لأي سبب آخر، والحق في العودة إليه”.

وأضاف: “يكمن التحدي في السياق الإسرائيلي الفلسطيني في أن للحكومة الإسرائيلية سجلا يمتد لعقود في منع اللاجئين الفلسطينيين من حقهم في العودة إلى ديارهم”.

في مايو/أيار، وجد استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية أن حوالي نصف الفلسطينيين في الأراضي المحتلة على استعداد لتقديم طلبات للهجرة.

 وتحت منشورات “المجد أوروبا” على تطبيق “تيك توك”، يُمكن رؤية مئات التعليقات من فلسطينيين يائسين.

وقالت تانيا هاري المديرة التنفيذية لمنظمة “غيشا”  إنه “في ظل الظروف الكارثية التي تعيشها غزة اليوم، لا يمكن اعتبار أي  تشجيع  على المغادرة خيارا حرا”. وأضافت: “ترفض إسرائيل ضمان حق العودة لمن يغادرون”.

وواصلت: “تعكس الظروف غير القابلة للعيش والترويج الرسمي للمغادرة الطوعية نمطا من النقل القسري مُتخفيا في صورة اخيتار حر”.

ويُعد النقل القسري للسكان جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي. وأكد عمر شاكر، من منظمة “هيومن رايتس ووتش”، أن مغادرة الفلسطينيين لغزة لا تتسم بالطابع الطوعي.

وأضاف: “السياق الحاسم هنا هو أن الحكومة الإسرائيلية انتهجت سياسة تهدف عمدا إلى جعل غزة غير قابلة للعيش”. وأردف: “الهدنة لم تغيّر هذه الحقيقة”.

أعده للعربية: ر.م




Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى