
بعدما ظهرت عليه علامات التردد والارتباك خلال الحرب المدمرة بين إسرائيل وحركة حماس، يسعى الاتحاد الأوروبي اليوم لتقديم دعم كامل لخطة السلام الأمريكية لقطاع غزة. ولن تقتصر مساعدات التكتل القاري على المالي فحسب، وإنما ستشمل أيضًا توسيع مهام بعثاته في المنطقة خصوصا فيما يتعلق بحرس الحدود والشرطة.
وفي هذا السياق، قد تلعب بعثة “يوبول كوبس” الأوروبية، الموجودة حاليًا في الضفة الغربية، دورًا قياديًا في بناء قوة شرطة جديدة تفرض الأمن في غزة، مع تدريب حوالي 3.000 من العناصر الأمنية الفلسطينية على المدى المتوسط. كما تُخطط بروكسل لتمديد بعثة حماية الحدود الأوروبية في القطاع. فهل يسعى الاتحاد الأوروبي لإعادة تموقعه في الشرق الأوسط بعدما همشته الهيمنة الأمريكية في المنطقة؟
تهميش ترامب للدور الأوروبي في غزة
حتى خلال الإدارات الأمريكية السابقة، كان التهميش الأوروبي واضحا في الشرق الأوسط، غير أن الأمر تفاقم في عهد دونالد ترامب، فقد تمكن الأخير في شرم الشيخ من جمع عدد من قادة الدول والحكومات من حوله، الذين احتضنوه بعد اتفاق السلام وقدموا له تكريماً رمزياً. أوروبا لم تكن حاضرة أو ممثلة ككيان أو تكتل. ترامب تحدث حينها بشأن أوروبا عن “العديد من الدول”. فمن وجهة نظر أمريكية من الأفضل أن يكون الاتحاد الأوروبي مجرد مجموعة دول لا تملك سياسة خارجية موحدة ومستقلة، لأن الانقسام يضعف الجميع.
الاتحاد الأوروبي لم يبرز كثيراً في أزمة غزة لأنه لم تكن هناك سياسة موحدة. فألمانيا، الدولة الأكثر نفوذاً، ولأسبابا تاريخية دافعت بقوة عن الحكومة الإسرائيلية، فيما عجزت الدول الأخرى عن بلورة إجراءات حاسمة ضد قرارات بنيامين نتنياهو. رغم أن المفوضية الأوروبية كثيرا ما كررت استعدادها لإشراك الاتحاد الأوروبي في إعادة إعمار قطاع غزة، إلا أنه يبدو أنه لا أحد كان حقا ينتظر الأوروبيين. خطة ترامب للسلام في غزة تتيح مع ذلك بوابة جديدة قد تعيد رسم ملامح دور أوروبي في المنطقةوإن بشكل محتشم.
برلين تدعو لتسريع إعادة الإعمار
دعت ريم العبلي وزيرة التنمية في الحكومة الألمانية إلى اتخاذ خطوات سريعة لتنظيم تمويل عملية إعادة الإعمار في قطاع غزة. وقالت ألعبالي رادوفان (20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025) في بروكسل على هامش المؤتمر الدولي المخصص لمساعدات الأراضي الفلسطينية، “أنا أطالب أيضًا بأن يُعقد قريبًا مؤتمر إعادة الإعمار الذي نخطط لتنظيمه مع مصر”. وأكدت الوزيرة أنه من الضروري توفير “إطار سياسي” يتيح تنفيذ عملية إعادة الإعمار، مشددة على أهمية أن “يتمكن الفلسطينيون من اتخاذ قراراتهم بشأن مستقبلهم بأنفسهم”. وأضافت أن الانتخابات في “السلطة الفلسطينية” قيد التحضير بالفعل.
وأكدت الوزيرة الألمانية على أهمية إيجاد حلول لمستقبل جميع الأراضي الفلسطينية، موضحة “الضفة الغربية، القدس الشرقية، وغزة كلها تشكل وحدة واحدة، ومصيرها مترابط”. وأضافت أن السلطة الفلسطينية تواجه ضغوطًا مالية كبيرة نتيجة تعليق إسرائيل تحويل عائدات الضرائب، مما جعلها تعاني في دفع الرواتب، خصوصًا للمعلمين والعاملين في القطاع الصحي. وأضافت أنه من الضروري دعم السلطة الفلسطينية في هذا الوضع الصعب، خاصة أنها “رغم الحاجة إلى إصلاحات كبيرة، إلا أنها تبقى عامل استقرار مهم في المنطقة”.
تعهد بتقديم 88 مليون يورو للسلطة الفلسطينية
تعهد الاتحاد الأوروبي (20 نوفمبر) بتقديم ما لا يقل عن 88 مليون يورو لمساعدةالسلطة الفلسطينية. وقالت مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون البحر الأبيض المتوسط دوبرافكا سويكا بعد مؤتمر للمانحين في بروكسل “وقّعنا أكثر من 82 مليون يورو”، تضاف إلى ستة ملايين يورو سبق الإعلان عنها. واجتمع في بروكسل أمس الخميس نحو ستين وفدا، من بينها الدول الأعضاء السبع والعشرون في الاتحاد الأوروبي، ودول عربية، والعديد من المنظمات الدولية، في غياب إسرائيل.
وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى “عرضنا اليوم التقدم الذي أحرزناه في إطار برنامجنا الإصلاحي الوطني الذي يتم تنفيذه، وهو ليس مجرد وعود، بل يتم تنفيذه وقبل الموعد المحدد، وهو ما أقر به شركاؤنا”. وأضاف أن ذلك يأتي “رغم البيئة غير المواتية”، متهما إسرائيلبالسعي إلى “إضعاف السلطة الفلسطينية وقدرتها على العمل”. وأكدت سويكا في هذه النقطة على الدعوات التي وجهها الاتحاد الأوروبي لإسرائيل للإفراج عن عائدات الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية وهي أساسية لعملها. وأكدت أن “هذا ما قاله جميع المشاركين”.
وقالت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لايين إن الاتحاد الأوروبي “ملتزم بالعمل نحو إقامة دولة فلسطينية وفي صلبها سلطة فلسطينية تم إصلاحها وفاعلة”. وأضافت “سنواصل دعم كل الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة، بما في ذلك الحكم الانتقالي في الضفة الغربية وغزة”. ويذكر أن الاتحاد الأوروبي هو الداعم المالي الرئيسي للسلطة الفلسطينية. ومع ذلك، فهو يشترط لأي مساعدة مستقبلية إجراء إصلاحات يراها ضرورية لتمكين السلطة من أداء دورها على أكمل وجه في إطار حلّ الدولتين الذي يتبناه منذ سنوات.
تحرير: يوسف بوفيجلين
Source link



